سورة الروم - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الروم)


        


{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)}
لما بين الله خلق الإنسان بين أنه لما خلق الإنسان ولم يكن من الأشياء التي تبقى وتدوم سنين متطاولة أبقى نوعه بالأشخاص وجعله بحيث يتوالد، فإذا مات الأب يقوم الابن مقامه لئلا يوجب فقد الواحد ثلمة في العمارة لا تنسد، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قوله: {خَلَقَ لَكُمْ} دليل على أن النساء خلقن كخلق الدواب والنبات وغير ذلك من المنافع، كما قال تعالى: {خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأرض} [البقرة: 29] وهذا يقتضي أن لا تكون مخلوقة للعبادة والتكليف فنقول خلق النساء من النعم علينا وخلقهن لنا وتكليفهن لإتمام النعمة علينا لا لتوجيه التكليف نحوهن مثل توجيهه إلينا وذلك من حيث النقل والحكم والمعنى، أما النقل فهذا وغيره، وأما الحكم فلأن المرأة لم تكلف بتكاليف كثيرة كما كلف الرجل بها، وأما المعنى فلأن المرأة ضعيفة الخلق سخيفة فشابهت الصبي لكن الصبي، لم يكلف فكان يناسب أن لا تؤهل المرأة للتكليف، لكن النعمة علينا ما كانت تتم إلا بتكليفهن لتخاف كل واحدة منهن العذاب فتنقاد للزوج وتمتنع عن المحرم، ولولا ذلك لظهر الفساد.
المسألة الثانية: قوله: {مّنْ أَنفُسِكُمْ} بعضهم قال: المراد منه أن حواء خلقت من جسم آدم والصحيح أن المراد منه من جنسكم كما قال تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ} [التوبة: 128] ويدل عليه قوله: {لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا} يعني أن الجنسين الحيين المختلفين لا يسكن أحدهما إلى الآخر أي لا تثبت نفسه معه ولا يميل قلبه إليه.
المسألة الثالثة: يقال سكن إليه للسكون القلبي ويقال سكن عنده للسكون الجسماني، لأن كلمة عند جاءت لظرف المكان وذلك للأجسام وإلى للغاية وهي للقلوب.
المسألة الرابعة: قوله: {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} فيه أقوال قال بعضهم: مودة بالمجامعة ورحمة بالولد تمسكاً بقوله تعالى: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} [مريم: 2] وقال بعضهم محبة حالة حاجة نفسه، ورحمة حالة حاجة صاحبه إليه، وهذا لأن الإنسان يحب مثلاً ولده، فإذا رأى عدوه في شدة من جوع وألم قد يأخذ من ولده ويصلح به حال ذلك، وما ذلك لسبب المحبة وإنما هو لسبب الرحمة ويمكن أن يقال ذكر من قبل أمرين أحدهما: كون الزوج من جنسه والثاني: ما تفضي إليه الجنسية وهو السكون إليه فالجنسية توجب السكون وذكر هاهنا أمرين أحدهما: يفضي إلى الآخر فالمودة تكون أولاً ثم إنها تفضي إلى الرحمة، ولهذا فإن الزوجة قد تخرج عن محل الشهوة بكبر أو مرض ويبقى قيام الزوج بها وبالعكس وقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ} يحتمل أن يقال المراد إن في خلق الأزواج لآيات، ويحتمل أن يقال في جعل المودة بينهم آيات أما الأول: فلابد له من فكر لأن خلق الإنسان من الوالدين يدل على كمال القدرة ونفوذ الإرادة وشمول العلم لمن يتفكر ولو في خروج الولد من بطن الأم، فإن دون ذلك لو كان من غير الله لأفضى إلى هلاك الأم وهلاك الولد أيضاً لأن الولد لو سل من موضع ضيق بغير إعانة الله لمات وأما الثاني: فكذلك لأن الإنسان يجد بين القرينين من التراحم ما لا يجده بين ذوي الأرحام وليس ذلك بمجرد الشهوة فإنها قد تنتفي وتبقى الرحمة فهو من الله ولو كان بينهما مجرد الشهوة والغضب كثير الوقوع وهو مبطل للشهوة والشهوة غير دائمة في نفسها لكان كل ساعة بينهما فراق وطلاق فالرحمة التي بها يدفع الإنسان المكاره عن حريم حرمه هي من عند الله ولا يعلم ذلك إلا بفكر.


{وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22)}
لما بين دلائل الأنفس ذكر دلائل الآفاق وأظهرها خلق السموات والأرض، فإن بعض الكفار يقول في خلق البشر وغيره من المركبات إنه بسبب ما في العناصر من الكيفيات وما في السموات من الحركات وما فيها من الاتصالات فإذا قيل له فالسماء والأرض لم تكن لامتزاج العناصر واتصالات الكواكب فلا يجد بداً من أن يقول ذلك بقدرة الله وإرادته ثم لما أشار إلى دلائل الأنفس والآفاق ذكر ما هو من صفات الأنفس بالاختلاف الذي بين ألوان الإنسان فإن واحداً منهم مع كثرة عددهم وصغر حجم خدودهم وقدودهم لا يشتبه بغيره والسموات مع كبرها وقلة عددها مشتبهات في الصورة والثاني: اختلاف كلامهم فإن عربيين هما أخوان إذا تكلما بلغة واحدة يعرف أحدهما من الآخر حتى أن من يكون محجوباً عنهما لا يبصرهما يقول هذا صوت فلان وهذا صوت فلان الآخر وفيه حكمة بالغة وذلك لأن الإنسان يحتاج إلى التمييز بين الأشخاص ليعرف صاحب الحق من غيره والعدو من الصديق ليحترز قبل وصول العدو إليه، وليقبل على الصديق قبل أن يفوته الإقبال عليه، وذلك قد يكون بالبصر فخلق اختلاف الصور وقد يكون بالسمع فخلق اختلاف الأصوات، وأما اللمس والشم والذوق فلا يفيد فائدة في معرفة العدو والصديق فلا يقع بها التمييز، ومن الناس من قال المراد اختلاف اللغة كالعربية والفارسية والرومية وغيرها والأول أصح، ثم قال تعالى: {لأيات للعالمين} لما كان خلق السموات والأرض لم يحتمل الاحتمالات البعيدة التي يقولها أصحاب الطبائع واختلاف الألوان كذلك واختلاف الأصوات كذلك قال: {للعالمين} لعموم العلم بذلك.


{وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23)}
لما ذكر بعض العرضيات اللازمة وهو اختلاف ذكر الأعراض المفارقة ومن جملتها النوم بالليل والحركة طلباً للرزق بالنهار، فذكر من اللوازم أمرين، ومن المفارقة أمرين، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قوله: {مَنَامُكُم باليل والنهار} قيل أراد به النوم بالليل والنوم بالنهار وهي القيلولة: ثم قال: {وابتغاؤكم} أي فيهما فإن كثيراً ما يكتسب الإنسان بالليل، وقيل أراد منامكم بالليل وابتغاؤكم بالنهار فلف البعض بالبعض، ويدل عليه آيات أخر. منها قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلاً} [الإسراء: 12] وقوله: {وَجَعَلْنَا اليل لِبَاساً وَجَعَلْنَا النهار مَعَاشاً} [النبأ: 10، 11] ويكون التقدير هكذا: ومن آياته منامكم وابتغاؤكم بالليل والنهار من فضله، فأخر الابتغاء وقرنه في اللفظ بالفعل إشارة إلى أن العبد ينبغي أن لا يرى الرزق من كسبه وبحذقه، بل يرى كل ذلك من فضل ربه، ولهذا قرن الابتغاء بالفضل في كثير من المواضع، منها قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة فانتشروا فِي الأرض وابتغوا مِن فَضْلِ الله} [الجمعة: 10] وقوله: {وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ} [النحل: 14].
المسألة الثانية: قدم المنام بالليل على الابتغاء بالنهار في الذكر، لأن الاستراحة مطلوبة لذاتها والطلب لا يكون إلا لحاجة، فلا يتعب إلا محتاج في الحال أو خائف من المآل.
المسألة الثالثة: قال: {آيات لقوم يَسْمَعُونَ} وقال من قبل: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} وقال: {للعالمين} فنقول المنام بالليل والابتغاء من فضله يظن الجاهل أو الغافل أنهما مما يقتضيه طبع الحيوان فلا يظهر لكل أحد كونهما من نعم الله فلم يقل آيات للعالمين ولأن الأمرين الأولين وهو اختلاف الألسنة والألوان من اللوازم والمنام والابتغاء من الأمور المفارقة فالنظر إليهما لا يدوم لزوالهما في بعض الأوقات ولا كذلك اختلاف الألسنة والألوان، فإنهما يدومان بدوام الإنسان فجعلهما آيات عامة، وأما قوله: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فاعلم أن من الأشياء ما يعلم من غير تفكر، ومنها ما يكفي فيه مجرد الفكرة، ومنها ما لا يخرج بالفكر بل يحتاج إلى موقف يوقف عليه ومرشد يرشد إليه، فيفهمه إذا سمعه من ذلك المرشد، ومنها ما يحتاج إلى بعض الناس في تفهمه إلى أمثلة حسية كالأشكال الهندسية لكن خلق الأزواج لا يقع لأحد أنه بالطبع إلا إذا كان جامد الفكر خامد الذكر، فإذا تفكر علم كون ذلك الخلق آية، وأما المنام والابتغاء فقد يقع لكثير أنهما من أفعال العباد، وقد يحتاج إلى مرشد بغير فكرة، فقال: {لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} ويجعلون بالهم إلى كلام المرشد.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8